1. قصص رعب , قصص مخيفه جدا 2024 , Horror stories

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    كلنا عارفين افلام الرعب وتأثيرها علينا وعلى البنات خصوصا
    هنا فى اذاعة حب اجمد قصص رعب هتقروها عندنا وبس
    قصص رعب جميله جدااا ومشوقه
    خليكم معانا لمتابعة اجدد قصص الرعب الحصرى على منتدانا

    do.jpg

    قصص رعب , افضل قصص رعب


    "هيا.. لا تكن طفلاً!
    هل تصدّق أن التيتانيك غرقت بسبب الجبل الجليدي!؟"

    (3)
    العجوز التي... والكاهنة التي لم.

    أتبع زقزقات العصافير فأصل إلى المطعم، لم أخبرك أنها عصافير بطني، أنظر في ساعتي وأتمنى أنها ساعة غداء.

    أطل من الباب فأجد الرفاق جالسين ويلعقون شواربهم في استمتاع، يبدو أنني تأخرت قليلاً. أبحث عن الفتى النبيل، وأتخذ مقعدي خلف ظهره، ظهرًا لظهر ولكني أرجو أن أحصل على تركيزك لحظة.

    ألتقط نفسًا عميقًا وأغمض عيني وأتحدث في خاطري.. يا أنت، أرجوك، التقط رسالتي ولا تغلق خاطرك عني، أعرف أنك التقيتني منذ ساعات فقط لكن صدّقني لا تحتاج لأكثر منهم لتعرف أنك وجدت حب حياتك. يا هذا، أنت كاتب رعب ويجب أن تكون جريء القلب، تعالَ عرّفني بنفسك ثم اطلبني للرقص، هيّا. أفتح عينيّ، أشعر أعصابي تحترق، أغمضهما من جديد: هيّا، تخلى عن تحفظك، تحلى بالشجاعة، لن أخذلك، هيّا، هيّا..


    نقرات على كتفي: أفتح عيني بلهفة، أرتفع ببصري لأعلى، يبتسم النادل في وداعة:
    - ماذا تطلبين؟

    أهب واقفة، أخبط المائدة بقبضتي:
    - شكرًا، لست جائعة.

    أغادر بينما ينظر لي الرفاق نظرة: ها قد عادت غريبة الأطوار!
    ~

    أتخذ مقعدي في الكافيتيريا، أحني رأسي جدًا على الورقة، من يراني ليقول: منتبهة، دعهم في ظنونهم. بين الحين والحين أرفع رأسي فألقي نظرة على التليفزيون: (جاك) المسكين وحبه المعذّب، لكن من قال أنه ليس (جاك دوريدو) في (كينج كونج) أو (جاك شيبارد) في (لوست) أو شيء ما... لنركز على الكتابة أفضل.

    أنقر بالقلم نقرات رأسية على الأوراق، يستلفت انتباهي النداء:
    - (ليلى)، لماذا لم تأكلي شيئًا؟

    أرفع رأسي للحظة، أعود لانكبابي على الأوراق، إنها الفتاة الخليعة:
    - أكتب أفضل بمعدة خاوية.
    - دعي الكتابة اليوم واستمتعي معنا بالسفينة، هناك مزاد لمقتنيات (التيتانيك) ، لِمَ لا تحضري معنا؟
    - لا شكرًا، لا أريد المزيد من (التيتانيك)

    تبسط يديها في استسلام وتغادر، دائما ما يملونني بعد قليل لأجد نفسي وحدي. أرمق الصفحة البيضاء ذات النقاط السوداء في اهتمام، أطلق زفيرًا، ثم أطوي الأوراق وأتبعها إلى القاعة.

    في المنتصف تقف سيدة عجوز تمسك بقلادة بدت لي مألوفة بشدة، وجوارها يقف رجل المزادات صائحًا:
    - (قلب المحيط).. من يريد أن يمتلك (قلب المحيط)؟

    في حين يسرق توهج القلادة بصر الجميع، تسرق عيني لمعةً أكبر، أتوغل في النظر في عيني العجوز كما لو أبحر بقلب المحيط، وأشعر أنني بعد قليل قد أصل لشاطيء ما، تصدمني نظرتها المفاجئة إلى عينيّ، تنكسر نظرتي وتتلاحق أجفاني، أحوّل بصري إلى الرجل الذي يعلن انتهاء المزاد لصالح (سناء).

    يمكنني الآن أن أحوّل لقب (سناء) بضمير مستريح من ’المدللة‘ إلى ’ابنة الأثرياء المدللة‘. تميل العجوز على (سناء) قائلة شطر جملة:
    - لولا الحاجة!

    ثم تتصلب عضلات وجهها في غل. أتركهم خلف ظهري وأتسلل خارجة. أفكّر أن أتسكع على سطح السفينة بحثًا عن إلهام ما، أنحرف نحو الكافيتيريا ثم أتسمر مكاني: ألم أترك تلك العجوز خلفي؟

    أطرد الفكرة من رأسي: من قال أنها لا تملك ساقين مثلي! أضمم أوراقي وأخطو في إرتباكٍ نحوها... ترى، ما نوع الإلهام الذي تحمله هذه المرأة؟ أدير قدماي وأدور حولها: من هي؟ من أين جاءت؟ أتمم الدائرة فأبدأها من جديد، وكيف حصلت على (قلب المحيط)؟ علا صوتها:
    - أيتها الشابة الصغيرة، هل تريدين الجلوس؟

    جذبت مقعدًا على الفور:
    - أ... الحقيقة أنني.... كيف حصلتِ على (قلب المحيط)؟
    - ورثته عن أمي.
    - هل... هل هو حقيقي؟ أعني.. (قلب المحيط) الذي امتلكته (روز)؟
    - بالتأكيد. ها أنت تعرفين أمي.

    اتخذتُ فاصلاً من الصمت، ثم استطعت أن أقول بعدها:
    - هل تدّعين أن (روز) والدتك؟
    - أجل، وأنا (روزيت)، وأنتِ؟

    لا أسمع سؤالها:
    - وهل هي حقيقية؟
    - أخبرتك أنها حقيقة وأصلية تمامًا
    - لا أقصد القلادة، بل... بل (روز)
    - أمي، نعم بالتأكيد.
    - كالتي شاهدناها على الشاشة؟
    - لو تقصدين أن (روز) هي الممثلة التي أدت دورها فبالتأكيد لا، ولكنهم اقتبسوا بعضًا من حياتها ومزجوا الكثير من الخيال، هل تعرفين لماذا؟
    - لماذا؟
    - لأنهم ما كانوا يجرؤون أبدًا على قول الحقيقة.

    أذهب بنظري إلى شاشة التليفزيون والتي تذيع (التيتانيك) ككل مرة، ولكنني هذه المرة أراه بنظرة أعمق: نظرة مشاهدة الواقع لا الخيال، هذا يكسب الأمور المزيد من ’......‘ بحسب الموقف. هنا يكسبها المزيد من الإبهار:
    "(روز) تنظر إلى مرآة يدها، ثم تضعها لتنظر عبر مرآة أكبر، يظهر (كال) إلى طرف المرآة:
    - كنت أعتزم الاحتفاظ بهذه ليوم خطبتنا الأسبوع المقبل.
    يفتح العلبة بين يديه عن قلادة ذات ماسة زرقاء متلألئة تنال إعجاب (روز) تمامًا:
    - إنها مذهلة.
    - قد تذكّرك بمشاعري تجاهك.
    - هل هي...؟
    - ماس، نعم.
    يلتفت ليضعها حول عنقها:
    - ست وخمسون قيراطًا بالضبط، كانت كبيرة قبل صقلها، وأطلقوا عليها اسمًا..
    تتلمس (روز) القلادة على عنقها"




    تتلمس العجوز قلادة وهمية على عنقها، وتهمس مع أبطال الفيلم:
    - (قلب المحيط)

    ألتفت إليها فجأة:
    - عفوًا، هل تشاهدين الفيلم مثلي؟
    - أجل.
    - لا، أنتِ لا تفهمينني، أنا لا أقصد الذي يذاع الآن، وإنما أقصد (التيتانيك).
    - (التيتانيك) هو الذي يذاع الآن.

    ابتلعت ريقي: كم غريب أن يصير الأمر الطبيعي هو الغريب، أن أشاهد نفس الفيلم الذي يشاهده الآخرون على نفس التليفزيون. أليس بديهيًا؟ أليس بديهيًا أيها الفتى النبيل الذي يستلفت نظري؟

    تتبع العجوز نظراتي.. ثم تبادرني بابتسامة خبيثة:
    - هِا هِاي! انظروا إلى الفتاة الشابة التي لا تدير نظرها عن فتى حلو، هل يعجبك؟ فقط خذي النصيحة من سيدة عجوز خبرت الدنيا: لا تثقي أبدًا بمعرفة القطارات أو... البواخر.

    دفعتني الحاجة للبوح إلى الاستفاضة:
    - لا أعرف لماذا انجذبت له، إنه لم يبادلني كلمة منذ بداية الرحلة، إنه حتى لا ينتبه لوجودي.
    - من يدري.. لربما يحمل لكِ ثقل جسده حبًّا، لكنه من النوع الذي لا يبوح. نوعًا ما يذكّرني بـ (جورج)، كان أيضًا ذلك الطراز الواثق غير المبالي، ولكن هذا قبل أن يقع بحبي... هو أمريكي وأنا بريطانية وأعيش بـ (مصر)، والتقينا على متن باخرة كهذه، وانتهى بنا الحال متزوجين في (مصر). كانت لنا حياة سعيدة وأقسمنا ألن يفرقنا حتى الموت. ولذلك حينما توفيّ حملته في تابوت وها أنا أسعى لنقله إلى (أمريكا) ليدفن في مسقط رأسه كما أوصى، ولكي نظل معًا سأسعى أن نحصل على مدفن رائع يسعنا سويًّا، وأقضي ما بقي لي من الأوقات برفقته. أعرفتِ لِمَ اضطررتُ لبيع (قلب المحيط)؟
    - أنتِ زوجة وفيّة حقًا، سيدتي.
    - وأنتِ ستكونين زوجة رائعة، ولكن يجب لفت نظر الزوج أولاً، أليس كذلك؟

    تفتح العجوز حقيبة يدها، تُخرج بضع أدوات زينة، أحاول الإلتفاف لمتابعتها إذ تقوم ببطء لتقف خلف ظهري وتقول:
    - في بعض الأحيان، يكون حجب الزينة عن موضع ما، من صالح موضع آخر.

    تمرر أصابعها بين خصلات شعري:
    - ألم تري مثلاً سيدة متأنقة في ثوب غالٍ مكشوف الصدر، ولا تتكلف وضع عقدًا أو قلادة على صدرها، تظنين لماذا؟
    - لِمَ؟
    - لأنها لا تريد لزينة القلادة أن تخطف الأنظار عن جمال جيْدها.

    تتابع:
    - وفي المرة التي قررت فيها أمي ارتداء القلادة، كان عليها أن تخلع ما سواها...

    تلملم أطراف شعري وترفعه إلى أعلى:
    - بعضًا من الكشف، وبعضًا من المنع.

    تتناول من أمامي دبوس شعر أخضر اللون على هيئة فراشة، أتساءل:
    - هل... هل هذا الدبوس الخاص بـ (روز)؟

    تضع الدبوس برأسي مُحكِمًا على شعري لأعلى، تتناول المرآة من فوق المائدة وتضعها أمام وجهي:
    - وهذه أيضًا مرآتها.

    أنظر إلى صفو وجهي بالمرآة لا تشوبه خصلة شعر، تتخذ مقعدها مبتسمة:
    - أنتِ الآن تفهمينني.

    أوميء لها، أنظر نظرة أخيرة إلى المرآة قبل أن أضعها وأهم بأن أزيح الدبوس شاكرةً لها، لكنها تمنعني بإشارة من يدها:
    - بل اتركيه حتى يؤدي عمله، اعتبريه والمرآة هديتي إلى العاشقة الصغيرة.

    وتغمز لي بعينها. أتمنى في نفسي لو أن الأمور بهذه البساطة، أطلق زفيرًا بينما أرسل نظري إلى المياه السوداء من حولنا:
    - النهار قد فرّ، ومن بعده الليل، وبعدي لم أحصل على قصة.
    - غريب! ألم تحصلي على قصتك بعد؟ ظننتك فعلتِ.
    - ومن أين؟

    تشير بإصبعها إلى الشاشة دون أن تنطق. أنتقل بنظري إلى حيث أشارت وقد ساورني خاطر:
    - هل تعتقدين أن بث (التيتانيك) بينما نحن على متن سفينة يعد نوعًا من الفأل السيء؟

    تبسط يديها بلا مبالاة:
    - وماذا قد يحدث؟
    - قد نحصل على نفس مصير (التيتانيك)، تعرفين: جبل جليدي وكسور بالسفينة و....
    do.jpg
    قاطعتني بينما تحاول الاعتدال واقفة، وقالت بلكنتها الركيكة ولغتها التي تشبه ترجمة الأفلام الأجنبية:
    - هيا، لا تكوني طفلة، هل تصدّقين أن (التيتانيك) غرقت بسبب الجبل الجليدي؟
    - ماذا؟ وهل هناك سبب آخر؟
    - ألم تسمعي مثلاً... عن....

    توقفَتْ لتنظر في عيني قليلاً:
    - الكاهنة الفرعونية التي أغرقت (التيتانيك)؟

    كانت زاوية نظري لها لأعلى توحي بالرهبة، أو ربما نبرة الصوت التي نطقت بها، أو ربما الجملة ذاتها.... نعم، بالتأكيد أن للجملة دورًا. الآن، تمنحني الابتسامة النهائية، ابتسامة الرضا عن إنجاز المهمة، ثم تلتفت مغادرة. في لحظة أقتنص كفها بكل ما أملك من قوة:
    - لا، أرجوكٍ، احكِ لي كل ما تعرفين.
    - قد حان موعد نومي.
    - ساعديني، أنا في أشد الحاجة لمعرفة القصة.
    - غدًا يا صغيرتي.
    - لا، أرجوكِ، اليوم، الآن.

    تحاول تحرير يدها بينما أشدد من تمسكي بها وأقول ببطء:
    - قد لا يمهلونا للغد.

    تشتت انتباهي خشخشة من خلف ظهري، ألتفت للحظة، تسحب العجوز يدها دفعة واحدة وتسرع الخطا، في حين تلوّح بظهر كفها وتمد الصوت:
    - إلى الغـــــــــد!

    أقول في يأس:
    - إلى الغد العظيم!

    أعود لأستبين مصدر الصوت: إنه (إلهامي) يستمتع بجني الكادرات الشيقة. أقبض على المرآة، ثم أجز على أسناني بينما أعبر جواره:
    - ألا توجد مواقف أكثر إحراجًا لتصوّرني بها!
    do.jpg
    .قصص مخيفه , قصص رعب جديده , قصص حقيقيه

    انظروا إليها بينما تغط في النوم، أليست ملاكًا صغيرًا؟ حسنًا، لنقل أنه ملاك نحيل أسمر ولكنه خفيف الظل.
    أضمم الغطاء عليها وأقوم، لكنها تتمسك بيدي:
    - أنا لسه منمتش، متسيبينيش غير لما أروح في النوم
    أعود لأجلس على طرف فراشها وأحكي الحكايات، ثم أتسلل على أطراف أصابعي إلى المطبخ، أغسل الصحون وأضعها على الحوض برفق، أستشعر وقع خطوات من خلفي، أسمعها تقول:
    - سيبتيني ليه يا ماما؟
    أدير رأسي إليها بلمحة عابرة، تطل برأسها من خلف باب المطبخ، وتتمسك بحوافه بيديها وتؤرجحه، أقول بينما أتابع عملي:
    - هخلص بسرعة وأجيلك يا حبيبتي
    تقول بدلال:
    - لأ، دلوقتي
    أبتسم، أغسل يدي وألتفت إليها، تختبيء برأسها خلف الباب في حين لا تزال أناملها متمسكة به.. تجحظ عيني إذ تحدّق في اليدين شديدي البياض والمنتفختين، تغزو جسدي القشعريرة، إنهما ليستا يدا ابنتي.
    ~
    ساقاي ترتعشان، رأسها مخفية، أمن الآمن أن أظل بالمطبخ؟ زوجي تأخر، آخر ما آمل فيه لحظة مواجهة. ماذا سأفعل حين تُخرِج لي رأسها، ألا يمكن أن تكون ابنتي بخطر؟ وغد لا ينفع في شيء مما ينفع فيه الأزواج! كيف سأعبر بجوار من لا أريد أن أرى وجهها.. ابنتي تصرخ، أدفع الباب وأتجه إليها في ثانية.
    أقف على بابها بلا قدمين، تبادرني بصوت باكٍ:
    - كابوس يا ماما! كابوس فظيع!
    أتقدم إليها، أرجع فأغلق الباب وأسنده بكرسي، ثم أعود فأتقدم. أصعد إلى الفراش وآخذها بين ذراعي:
    - متخافيش يا حبيبتي، ماما معاكي
    يتحرك مقبض الباب ببطء، يتحرك بعنف، يرتج بشدة، يعلو بكاء ابنتي، وربما بكائي أيضًا، أصرخ:
    - إبعدي من هنا.. إنتي عايزة منّا إيه؟؟؟ سيبينا..
    تتوقف المحاولات، أتوقف عن البكاء وأرهف السمع، دقائق قبل أن يرتج الشبّاك، تتشبث ابنتي بي:
    - أنا خايفة يا ماما

    do.jpg
    يدوي بأذني رنينًا متواصلاً من بكاء ابنتي.. لا أتمالك أعصابي، يعلو نحيبي:
    - كفاية أرجوكي! عشان خاطر بنتي... إحنا معملنالكيش حاجة
    تتوقف، أتطلع حولي في حذر، تصرخ ابنتي:
    - الحقيني يا ماما
    أرمق يدًا شديدة البياض ومنتفخة تمتد من أسفل الفراش تقبض على ساق ابنتي، أستجمع كل قوتي وألكمها لكمة عنيفة:
    - متلمسيش بنتي!
    تتسلل إلى أسفل الفراش، تحاوطني ابنتي بذراعيها بشدة، وتخفي وجهها بصدري، أمسد شعرها بيدي، بينما أساعدها على القيام:
    - متخافيش يا حبيتي.. إحنا هنخرج من هنا
    - مين قالك إننا هنخرج؟
    تدفن رأسها أكثر بصدري، وتعتصر أضلعي بين ذراعيها البيضاوين الممتلئين، وبرغم الألم، أصرخ من الذهول، أدفعها عني بكل استطاعتي وأقذف بها إلى بعيد، تسقط إلى الأرض فأعبرها وأركض إلى الخارج.
    أقطع السلالم للأسفل سلمتين أو ثلاثة أو كلهم دفعة واحدة.. أصطدم بأحدهم فأصرخ لكني إذ أنظر في وجهه أحمد الله أنه جاء.. أصرخ:
    - مسكون! في شبح.. جنّيّة، مش عارفة! بنتنا.. البنت فوق
    لا يفهم شيئًا لكنه يتركني ويركض إلى أعلى، أتبعه بحذر، يدلف إلى غرفة الطفلة خطوتين ثم يتوقف، ينظر في ذعر إلى ابنتنا الملقاة على الأرض في سكون فيما يتدفق الدم من رأسها
    ~
    نجلس في المنزل نستقبل العزاء، لا أرغب بالكلام، أكتفي بهزة رأس على فترات متباعدة، تميل عليّ إحدى الجارات:
    - كانت زي الملاك، ربنا يصبرك يا حبيبتي، لكن ماتت إزاي؟
    لا أجيب، أرفع عيني إلى زوجي، يسعل قليلاً بينما يقول:
    - يظهر إنها اتقلّبت وهي نايمة وقعت من على السرير..
    يتدخل جار عجوز:
    - دنيا عجيبة يا ولاد.. تصدّق إن كان فيه ساكن قبلكم ماتت بنته بنفس الطريقة..
    يشرد ببصره:
    - كانت حتة بنت! بيضا ومليانة وزي القمر..
    يجتذب انتباهي كله، أنطق لأول مرة:
    - اتقتلت؟
    يجيب ببساطة:
    - لأ، وقعت من على السرير!
    أودّع المعزيين وأحزم حقائبي بينما أقول لزوجي:
    - لا يمكن أعيش هنا، بيع البيت!
    ~
    تقف الساكنة الجديدة تغسل الصحون بالمطبخ، في حين تتمسك يدا ابنتها بالباب وتخفي وجهها:
    - سيبتيني ليه يا ماما؟
    لا يقلقها هذا السؤال، ولكن السؤال الحقيقي: لمن هاتين اليدين السمراوين النحيلتين؟

    do.jpg
    جمد قصص رعب , قصص رعب مدهشه , قصص رعب رائعه

    .
    حين لمحت أضواء المحل من بعيد عاودها الأمل فجأة، هتفت في سعادة:
    - ها هو!

    وأشارت إلى سائق التاكسي أن يتوقف، فالتقط ذاك أنفاسه وكتم في نفسه عبارة:
    "أخيرًا!"

    ثم أخبرها عن قيمة العداد وأنزلها إلى رأس الشارع. لم تأبه للظلام، ولم تحاول أن تلقي بالاً لمواء القطط المتصاعد، لم تنتبه إلى خلو الشارع من المارة ومن كل مظاهر الحياة، لم تتساءل لماذا يُفتتَح صالون تجميل في مثل هذا المكان المهجور، أو لماذا يفتح أبوابه في يوم العطلة الرسمي لصالونات التجميل، وكل ما حاولت فعله: ألاّ تتعثر بينما تتقدم في الظلام.

    وحين وصلت إلى باب المحل تعلقت به في لهفة، لم تصدّق أنها أخيرًا بالداخل، التقطت أنفاسها وتحدثت لصاحبة المحل:
    - أنتِ لا تعرفين كم تعبتُ في البحث عنك


    تلك المرأة الأربعينية التي لم تتكلف حتى رفع رأسها إليها، وتابعت نفث دخان سجائرها فيما تقول في برود:
    - ما الذي ستقومين بعمله؟
    do.jpg
    تأملت الفتاة عشرات الصور المعلقة على جدران المحل.. قصّات لم تتخيل حتى وجودها، الشعر المنسدل حتى الأرض، إنه مقزز بأكثر منه مثير للإعجاب، الشعر الحليق بالكامل لامرأة، هل تعتبر هذه صورًا مشجِّعة؟ القُصّة المنسدلة تمامًا لتخفي العينين، إنها تعطي انطباعًا غير مريح، وغيرها، وغيرها...

    تهز رأسها وكأنما تطرد أفكارها السلبية، فلربما أن هذا بالضبط ما تحتاج إليه. تترك حقيبتها وتجلس إلى مقعد مواجه للمرآة:
    - أريدك أن تقومي بكل ما يمكنكِ القيام به لتجعلي مني أجمل فتاة في الحفل

    ثم تنظر إلى ساعتها وتستدرك:
    - وذلك في مدى ساعتين على الأكثر

    تطفئ المرأة سيجارتها وتقوم إليها، تحل عقدة شعرها وتتناوله بين يديها، فتُرجِع الفتاة رأسها للخلف في استرخاء:
    - يمكنكِ أن تصبغي شعري بلون أحمر ناري، يمكنكِ أن توصلي شعري بشعر يطال ركبتيّ، يمكنكِ أن تضعي فوق أظافري أظافرًا طويلة مصبوغة، أريد مكياجي صارخًا ومظهري صالحًا لجذب انتباه من لم ينتبه لي في حياته
    do.jpg
    ثم تلوي عنقها إليها متسائلة:
    - فهل فهمتني؟

    لا تنجح عباراتها في إثارة تعاطف الكوافيرة الخبيرة، غير أنها تناولت أناملها بين يديها وقالت:
    - ولكن أظافرك شديدة التناسق

    وأمعنت في تأملها كالمأخوذة:
    - إنها طويلة وبيضاء ومسحوبة ومشذّبة ومنمقة وقوية ونظيفة.. إنها مثالية جدًا، ولن تحتاجي أبدًا لتركيب أظافر

    ثم قرّبت قنديلاً مدلاً من السقف إلى رأسها تتفحصها بعمق:
    - كما أن لون شعرك رائع وطوله مناسب، وملامحك رقيقة وفي غاية الجمال، القليل من المكياج سوف يبرز جمالك ولن تحتاجي أبدًا لأية إضافات

    ذاك التأثير الضوئي الذي أصاب الفتاة بالارتباك، فراحت تهز رأسها في استجداء:
    - لا، أرجوكِ، أرجوكِ أن تبذلي جهدك من أجلي، فقد جربت طوال عمري الملامح الرقيقة والقليل من المكياج ولم تنجح معي، هذه هي فرصتي الأخيرة فلا تبخلي بمساعدتي

    فيما بدت خبيرة التجميل متمسكة برأيها فتحدثت ولا تزال تدير القنديل حول الفتاة:
    - صدّقيني، يمكنني أن أفعل ما تريدين، وحين تبدين كالبلياتشو ستكون نقودك قد رقدت آمنة في جيبي، ولكني أمينة معك، إنكِ تتحدثين مع امرأة أفنت عمرها من أجل الجمال، ويمكنها تمييز الجمال حين تراه، وأنتِ جميلة جدًا، كل ما تحتاجينه هو بعض الرتوش

    تقاطعها الفتاة في حماسها المعهود:
    - لا، أرجوكِ أن تساعديني، أرجوك

    تثبّت الخبيرة القنديل إلى عين الفتاة فجأة، فتجفل، وتحني جفنيها قليلاً، قبل أن تفتحهما في سعادة حين تسمع عبارة الكوافيرة:
    - حسنًا، يبدو لي أن رموشكِ هزيلة وقصيرة، سأضيف لكِ المزيد من الرموش

    تبتهج الفتاة، وتريح رأسها إلى الوراء:
    - ها قد بدأتِ تفهمينني
    ~

    تتابع خبيرة التجميل عملها، في حين تتصاعد أصوات القطط الحادة المتتابعة من خارج المحل، ممزوجة بصوت آخر، تتساءل الفتاة في دهشة:
    - لماذا تموء القطط بهذا الشكل؟
    - طلبًا للطعام
    - وهذا الأنين الخافت؟
    - هل تسمعينه؟

    تلك الإجابة التي لا يمكن اعتبارها ’إجابة‘، كما أن التفكير في أنها قالتها يثير الخيال، لذلك يكون من الأفضل تجاهلها بالمطلق، ويصبح من الممكن البناء على السؤال السابق:
    "ولماذا تتوقع القطط طعامًا حول محل كوافير؟"

    وهذه المرة لم تحصل على إجابة أبدًا.
    ~

    تصيب وجهها دغدغات قصيرة إثر فرش متعددة تستخدمها الخبيرة، من داخل الجفن إلى زاوية العين الخارجية، أسفل الحاجب، فوق عظام الخد البارزة، وفرشاة مخصوصة للشفاة..

    تبعد الخبيرة يديها لثانية تتأمل صنيعها، يعلو الرضا قسمات وجهها القاسي، فتبدو لها في هذه اللحظة كشمطاء راضية، ثم تتسع عينها وتلتمع حدقتها لجزء من الثانية، وتتجه من فورها إلى غرفة داخلية تعلوها عبارة "قسم المحجبات".

    تختلس الفتاة نظرة إلى المرآة فترمق وجهها الذي تتسع ابتسامته؛ مهما يكن من أمر الشمطاء فإنها بارعة.

    تعود الخبيرة وقد حملت على راحتها سلسلتين من الرموش الكثيفة، وأشرق وجهها ببهجة غريبة إذ تقول:
    - والآن، هو الوقت لتصيرين ملكة الحفل المتوجة، وكما أحمل الرمشين على راحتي، سيأتونك ـ يا صاحبة الجلالة ـ بقلوبهم على أكفّهم
    do.jpg
    تضع الرموش بحرص فوق الطاولة، وتتناول أنبوب اللاصق، ثم تطلب منها أن تغمض جفنيها.. تمر لحظات طويلة لا تشعر فيها الفتاة بشيء فوق جفنيها وإلى أذنها أصوات مثابرة لاستخراج اللاصق من الأنبوب، ثم إلى سمعها بالنهاية عبارة:
    - تبًا

    تفتح عينيها، تلقي الخبيرة بالأنبوب في سلة المهملات قائلة:
    - لقد جف
    - وما العمل الآن؟
    - لا تقلقي

    تقول مطمئنة، ثم تفتح درجًا وتستخرج أنبوبًا من لاصق قوي، تعرفه الفتاة جيدًا، وقد استخدمته مرّات في لصق الجلود والمعادن، فصار طبيعيًا أن تهتف:
    - ماذا! لا يمكن أن تضعي هذا فوق عيني

    تنظر إليها الخبيرة نظرة تجمّد الدماء في عروقها، وتقول بنبرة عاتبة:
    - هذه ليست أول مرة أضع فيها رموش، أنتِ لن تعرّفيني شغلي

    ارتبكت الفتاة، أصابها جانب من نظرة المرأة الآمرة، وبالرغم من هذا خطر لها أن تهرب، وحين لاح لها هذا الخاطر امتدت يد الخبيرة الواثقة تثبّت الفتاة في مقعدها وتربّت على كتفها قائلة:
    - اطمئني، ألا تريدين حقًا أن تستأثرين بإعجاب فتاكِ؟

    تتوغل الكلمة في مسامع الفتاة، فتستسلم لتربيت المرأة فوق كتفيها، تسترخي في مقعدها وتغلق عينيها.. تستشعر الملمس اللاذع للاصق فوق رمشها، تشعر جفنها متصلبًا مشدودًا على إثره، يتنامى إلى سمعها فجأة أنينًا عميقًا يرجف بدنها، تتصلب يدا الخبيرة إذ تسأل:
    - هل سمعتي هذا؟

    بمفردها، لم تكن لتوقن من صدق سمعها، لكنهما الآن اثنتان، تكاد تحرّك شفتيها تتكلم، تكاد تحرّك جفنيها ترى، غير أن الخبيرة هتفت:
    - إيّاكِ أن تتحركي أو ترمشي فيدخل اللاصق إلى عينك

    ترتعش عينها مغمضةً وتبتلع كلامها، تشعر بشيء مثل ملقط معدني يثبت رموشًا إلى زاوية عينها الخارجية، تتجدد مخاوفها مع عينها الأخرى، تنتظر في توق لحظة خلاصها. تبتعد يدا الخبيرة، تعلن أن كل شيء على ما يرام، لكنها لا تشعر أنها على ما يرام، تفتح جفنيها على استحياء، تتحسس برفق رموشها، تنظر إلى المرآة متوقعة كارثة، من ثم يسقط فكّها:
    - واه!!
    إنني..... جميلة جدًا

    يشرق وجهها، تشكر الخبيرة ألفًا، فتبتسم تلك في برود، وتقول:
    - خمسمائة جنيه.

    ينفغر فاها:
    - هاه! ماذا! هذا كثير جدًا...
    - إن موادي كلها أصلية، ولن تجدي كحلاً سائحًا أسفل عينيك، أو روج ينمحي مع أول قبلة.

    تمنحها المال بينما تبرطم:
    - قبلة! أنتِ متفائلة جدًا أيتها اللصّة!

    على باب الكوافير خارجةً، لا تصدّق أنها خرجت منه، كما لم تصدّق أنها دخلته لأول مرة.
    ~

    يرمقها مرة ثم يدير عينه
    يعود فيرمقها بطرف عينه
    ألاعيب الصبيان تلك!

    لكنها تعرف أنه الآن يعرف أنها موجودة، لم يلحظ أبدًا من قبل!

    تلوّح للعروس، وترفع إبهامها لأعلى، فتبتسم لها تلك، وتغمز بعينها.. ترسل نظرها إلى ركن القاعة حيث تمرح منافستها اللدود في حب فتاها. تتفحصها بنظرة مدروسة من أخمص قدميها حتى رأسها، فتصطدم حينها بعينها المحدّقة بها، لا تجفل، وإنما تبتسم من فرط الثقة، فقد اطمأنت إلى تفوق حسنها.
    do.jpg
    ينزل العروسين للرقص، ترمقهما بنظرة حنين، ثم تتخذ مقعدها إلى طاولة لتستمتع بتأملهما في استرخاء، لكنها حين ترفع عينها تجد فتاها واقفًا باسطًا يده أمامها، بركاتك أيتها الشمطاء! لم تكن لتتوقع أن يطلبها للرقص.

    دعك من أنها لن تقبل، لا يجب أن يظن أنها سهلة إلى هذا الحد، تتأمل أظافرها المنمقة في محاولة لإدعاء اللامبالاة، ولكن أي عابر يمكنه أن يلحظ الفرحة التي تقفز من عينها، يبتسم فيما يتخذ مقعده في صمت جوارها، ثم يتأمل العروسين مثلها، أما هي، فلم يعد بإمكانها تأمل أي شيء!

    دقات قلبها تعلو جدًا، تحرّك عينها إلى جانبها من دون أن تدير رأسها، فلا تتمكن من رؤية ما أرادت رؤيته. وهو كذلك، ينظر أمامه ولا يرى شيئًا برغم زحام الوجوه، كما لا يسمع شيئًا من ضجيج الحفل، ولسبب غير معلوم لا يجرؤ أيضًا على إدارة وجهه، ولكنه بالرغم من هذا، يحرّك يده رويدًا حتى يحتضن كفها.. وحينها، تتمكن من النظر إليه، ويبادلها النظر.

    ثمة لحظة هنا من الإجحاف وصفها، ثمة كلمات من الحب قيلت بشفاه مقفلة، ثمة أحلام شوهدت بأعين متيقظة، والكثير من الوعود والآمال انقطعت على إثر طرقة مفاجئة على الطاولة.

    ترفع رأسها فإذا بها منافستها تلتمع عينها بالحقد لحظة، قبل أن ترتسم ابتسامة شاحبة على شفاها:
    - مرحبًا (مها)، منذ متى وأنتِ هنا؟
    - منذ....

    تقاطعها، فتكتم الفتاة غيظها بينما تستمع إليها:
    - فستانك جيد، لكن.. هل تعتقدين أن لونه يليق بك؟
    - أعتقد أن...

    تقاطعها من جديد، وتمد يدها في صفاقة تتلمس خصلات شعرها:
    - تبدين كالعروسة الحلاوة، فهل كلّفك هذا كثير؟

    يصيبها الحرج، ويلجمها الحنق، فيما تمتد يد منافستها تلتقط شيئًا من أسفل عينها، ثم ترفعه أمام وجهها وتقول:
    - إن لكِ رمشًا سقط، أنصحكِ أن تأخذيه وتتمني أن تصبحي عروسة كهذه العروسة.

    تنظر إلى الرمش بين إصبعيها، تستجمع حقدها جنبًا إلى جنب مع ثقتها بنفسها، تنظر إلى العروس نظرة طويلة، ثم تنظر إلى منافستها وتقول:
    - وددتُ لو آخذ بنصيحتك، ولكنكِ الأحق مني بها، فأنتِ تكبرينني بثلاث سنوات، ولذلك أتمنى أن أراكِ عروسة كهذه العروسة.

    ثم تنفخ الرمش لتطيره فيستقر فوق وجه منافستها، ثم تبتسم في حبور، فيما ترتسم تعبيرات غضب مكتوم على وجه منافستها، وتستدير مغادرة، وذلك حين يستوقفها الفتى بالنداء:
    - لحظة من فضلك!

    تكتم (مها) أنفاسها فيما ترقب فتاها يحث الخطا نحو منافستها، ويتناول يدها يطبع فوقها لثمة، ثم يتوجه إليها بالسؤال:
    - أتتزوجينني؟
    ~

    كانت واقفة ترمق ظهريهما إذ يبتعدان فيما تقترب أكفهما لتلامس بعضها..
    كانت واقفة ترمق الرقصة الحالمة بين العروسين والأزواج الذين اندفعوا يشاركونهما الرقص، وكان فتاها وفتاته من بينهم.
    كانت واقفة وقد أدركت أنها في لحظتها هذه قادرة بأن تستشعر أشياء لم تكن لتدركها في الأوقات العادية، يمكنها أن ترى شرارة الحب الوليد بين الفتى والفتاة، يمكنها أن تشاهد الدخان الأبيض يخرج من أذن الحمو الغاضب، يمكنها أن تميّز دموع الفرح في عين أم العروس عن دموع الحزن في عين أختها التي تغير منها، يمكنها أن تلمح انتفاخ ملابس العروس في موضع عقدة الجونلة الداخلية، يمكنها أن تلحظ محاولات زميلة لها أن تسطو على قطعة أخرى من الجاتوه من طبق قريب، يمكنها أن ترى من خلف الطاولات شبح فتاة نحيلة تتقافز بين المدعوين تتفادى الاصطدام بهم في براعة تعجب لها، خاصة مع اختفاء عينيها خلف قُصّتها المرسلة فوق جبينها.. يمكنها أن تدرك أنها بدأت تلمح أشياء مرعبة، كما يمكنها أن تنتبه، أنها على مدار عشر الدقائق التي وقفت تراقب فيها عن كثب، لم يطرف ـ مرّة ـ جفنها!

    كانت واقفة لكنها تشعر وكأنها محنية أو راكعة... وحين استندت أم العروس إلى ذراعها وصاحت:
    - مرحبًا بصديقة ابنتي المقرّبة!

    وجدت أنها تنظر لأم العروس وتطلق دموعها، لم تستطع أن تشفعها بعبارة واحدة مفهومة، ولم تدرِ أم العروس ما عليها فعله بالضبط، غير أنها أجلستها إلى مقعد، أمدّتها بمنديل وجلست جوارها.

    بعد لحظات هدأت دموعها، فرفعت أم العروس وجهها إليها وقالت:
    - هيّا، لتمسحي دموعك، هكذا أفسدتِ مكياجك!

    ثم إنها دققت النظر في وجهها لحظات، والتقطت رمشًا من أسفل عينها وقالت:
    - ها قد سقط رمشك، فماذا تتمنين؟

    تعجبت (مها) من تساقط رموشها، غير أنها كانت تعلم مسبقًا أن التدخلات الإصطناعية يكون لها تأثيرات سلبية، فالتقطت الرمش من يد السيدة:
    - شكرًا لكِ، لا أدري ما أتمنى... أتمنى أن يرزقهما الله الذرية الصالحة.

    ربتت السيدة على كتفها، واستأذنتها لترحّب بمدعويها، لكنها لم تكد تخطو حتى توقفت في مكانها وامتدت يدها تثبّت قلبها، حناجر الفتيات تطلق صراخًا حادًا، فني الدي جى تسقط يده على مؤثر الصدى، العروس تسقط من بين يدي عريسها، يهب المدعوين واقفين، يتبرع طبيب من بين الحضور بالفحص، وبعد دقائق كئيبة يعلن: العروس حامل.
    ~

    تقف في ثياب المنزل في مواجهة نفسها، وقبل أن تزيل مكياجها، ستستمتع لمرة أخيرة بنظرتها الساحرة..

    أريد أن أرى نظرة المرأة اللعوب
    تلتمع عينها بالشهوة ثم تغمز بعينها

    والآن، أريد نظرة المرأة القوية
    تتسع عينيها وتثبت النظر إلى طرف المرآة

    والآن لنرى نظرة المرأة الغبية..
    تنكسر عينها لأسفل وتسقط الدمعة

    تدرك أنها إنما تشغل حواسها بألاعيب النظر كي لا تستمع لعشرات الأسئلة التي تدوّي بعقلها، أسئلة ليس لعقل ـ بالأصل ـ أن يجيب عليها:
    هناك سؤال مثلاً: هل حقًا هي الفتاة التي هجرها فتاها في ذات لحظة احساسها بحبه ليطلب يد امرأة أخرى؟

    إنها الآن تفكّر أنها ليست هي هذه المرأة، لو كانت هي فكيف كان لها أن توقف دموعها في لحظة ثم تأتي لتتأمل صورتها بالمرآة، وتلعب مع نفسها ألاعيب النظر...

    ثم هناك أمر آخر، كيف استطاعت في لحظة أن تنكشف عنها الحجب لترى ذاك الانتفاخ في بطن العروس والتي ظنته حينها تعقد في الجونلة الداخلية أو شيء كهذا، حتى علمت في اللحظة الأخيرة أنه الحمل!

    ولو أنه الحمل، فكيف وقع في ذات اللحظة التي تمنت لأعز صديقاتها فيها الذرية الصالحة، تلك كانت الأمنية الثانية، أما الأولى فقد أحالت حبيبها إلى أن يصبح عريس منافستها.

    والفتاة، الفتاة النحيلة التي كانت تمرح خلف الموائد بخفّة دون أن تصطدم بأي أحد، كيف استطاعت أن ترى بالرغم من اختفاء عينيها خلف القُصة، أما السؤال الأهم، لو كانت فتاة حقًا، فلماذا بدت لها كـ ’شبح فتاة‘!

    والأنين....
    لماذا تسمع في أذنيها ذاك الأنين!
    والأسئلة...
    لازال هناك المزيد من الأسئلة، لكنها قد اكتفت. أزالت مكياجها، ثم التقطت أطراف رموشها في محاولة لنزعها، لم تنجح.
    حاولت دلكها برقّة، وفشلت.
    حاولت ترطيبها بالماء الساخن، وفشلت.
    وحتى حاولت أن تنزعها بالكماشة!

    ضربات فوق التسريحة، وصرخات مكتومة، تدخل أمها مذعورة فتجدها تجذب جفنها بعيدًا عن وجهها بالكماشة، تصرخ!

    تسارع بتهدئة أمها بعبارات عصبية:
    - اهدئي! هذه ليست رموشي، إنها لا تخصني!

    لكن أمها لا تعي من الأمر شيئًا، وتعكف في إصرار على محاولة تخليص الكمّاشة:
    - دعيها يا ابنتي، ستقتلعي عينك، لا تؤذي نفسك، أرجوكِ!

    فيما يزيد تمسّكها بها، ويعلو صراخها في وجه أمها:
    - أنتِ لا تفهمينني، أنتِ تزيدين توتري، اصمتي، اصمتي!

    لكن الأم تتشبث بالكماشة وتواصل محاولات تخليصها منها التي تنتهي في لحظة إلى انتزاعها منها وتطويحها لتصطدم بالمرآة تفتتها إلى آلاف الشظايا أمام عين الأم والفتاة التي ارتمت ـ بقوة الدفع ـ إلى الوراء.

    تنظر الأم في حسرة إلى المرايا المتناثرة وتردد:
    - هذا فأل سيء!

    تستدير فتجلس فوق الأرض إلى جوار ابنتها المنهكة، فتطالع فوق وجهها رمشًا ساقطًا، تتناوله وتقول:
    - ولكن هذه بشارة خير، يقولون أن لكِ ـ مقابل هذا الرمش ـ أمنية مُجابة.

    تفيق من شرودها، تدفع يد أمها بعيدًا وتصرخ:
    - لا!!! لا!!!
    لا تقولين تمني..

    تزيح القناني عن الطاولات تتكسر على الأرض:
    - لا يقولن أحد لي تمني
    هذه الأمنيات ملعونة
    وهذه الرموش ليست رموشي، هل تفهمين؟
    ليست رموشي!
    ليست رموشي....

    ثم تسقط من الإنهاك، تحاوطها يد أمها..
    ~

    أثناء نومها، تمنطق كل العلاقات التي لم تبدُ منطقية، فتصحو بفكرة كاملة..

    تمشط شعرها أمام المرآة، تفتح والدتها الباب:
    - صباح الخير يا ابنتي
    - صباح الخير

    تتمهل أمها ترقبها للحظة:
    - تبدين بخير

    تلتفت تبتسم لأمها:
    - جدًا جدًا
    ~

    تلتقط حقيبتها وتهم للخارج، تعاجلها أمها:
    - إلى أين؟
    - إلى صالون التجميل
    - ولماذا ثانيةً؟
    - لكي أعيد ما ليس لي.
    ~

    أشارت إلى سائق التاكسي أن يتوقف، فالتقط ذاك أنفاسه وكتم في نفسه عبارة:
    "أخيرًا!"

    ثم أخبرها عن قيمة العداد وأنزلها إلى رأس الشارع. لم تأبه للضباب، ولم تحاول أن تلقي بالاً لعراك القطط المحتد، لم تنتبه إلى خلو الشارع من المارة ومن كل مظاهر الحياة، وكل ما حاولت فعله: ألاّ تتعثر بينما تتقدم في الضباب.

    وحين وصلت إلى باب صالون التجميل، أمسكت به وصكته خلفها في عنف، لم ترجف الضربة بدن الخبيرة الشمطاء التي جلست تنفث دخانها في تبلد، لم يستلفت انتباهها غضب العميلة، ولم تحاول حتى أن تصغي لعبارات الاتهام التي تلقيها:
    - أنتِ مجرمة!
    أنتِ منحتني رموشًا حقيقية وليست اصطناعية
    إنها رموش الفتاة النحيلة ذات الشعر يخفي عينيها
    إنها الفتاة التي صورتها معلّقة وسط مجموعتك
    إنها الفتاة التي صوتها أنين بأذني

    ثم تقترب حتى تمسك بياقتها:
    - وعليكِ الآن أن تعيدي رموشها إليها.

    تطفئ سيجارتها، ترفع رأسها إليها، تحاول (مها) أن تبدو ثابتة، لكن كل ذرة من جسدها ترتعش مع كل زفير من السيدة، أو حركة تلقائية أو حتى نظرة عين..

    تحاول أن تبعد عن تصوّرها آلاف السيناريوهات المحتملة لوجودها بمفردها مع تلك المجنونة في ذاك المكان النائي، كما تحاول أن تمحي من ذهنها ذاك التأثير الفولاذي لنظرتها الكاسحة، والأنين.. ذاك الأنين الذي يتصاعد يذوّب أعصابها كلها، فيتموّج صوتها إذ تحاول أن تكرر في ثبات:
    - أقول لكِ أعيدي الرموش الآن.

    تتأنى خبيرة التجميل للحظة، قبل أن تتحقق من جودة سمعها:
    - عفوًا، أتقولين بأنكِ تريدين مني أن أعيد الرموش لصاحبتـ...

    لا تمهلها:
    - نعم.
    do.jpg
    فتكمل الخبيرة كأنما لم تسمعها:
    - تقولين بأنك تتخلين عن رموشك من أجل أن تعيديها لصاحبتها الأصلية، تقولين بأن أحمل مقصّي وأجتز أطراف جفنك برموشها ثم أحمل اللاصق وأثبتها إلى عينيها..

    تتهاوى إلى مقعد:
    - ما الذي تقولين!؟

    تقف الخبيرة أمامها، تتناول خصلات شعرها وترصّها في تسريحة سريعة لم تستغرق ثانية، ثم ترفع المرآة أمام وجهها، وتقول:
    - تريدين أن تصبح هذه القَصّة ـ إلى مدى الحياة ـ قَصّة شعرك؟

    تتأمل (مها) قصتها الجديدة، تتأمل بصعوبة شعرها المرسل من فوق جبينها ليخفي عينيها، ترفع عينيها تحدّق في المرأة من خلف القُصّة:
    - لماذا تفعلين هذا؟

    تبسط يديها في بديهية:
    - من أجل الجمال! ألم تقصدي ـ منذ البداية ـ خبيرة تجميل!!؟
    - تقتلعين رموشًا حقيقية من أجل الجمال؟
    - أخبرتك أن موادي كلها أصلية.

    ثم تزفر وتقول:
    - تعالي، تعالي...

    تقيمها من يديها وتقودها إلى الغرفة الداخلية التي تعلوها لافتة: "قسم المحجبات"، تفتح الباب فتتصاعد أصوات قطط توحشت من علك اللحم النيء، تزيح الفتاة الشعر عن جبينها وتبصر القطط التي تراصت على حواف النوافذ، تقرقر في رضا، أو تموء طلبًا للمزيد، أو تتعارك من أجل السطو على قطعة زميل..

    تزيح الخبيرة حوض غسيل الشعر جانبًا، ومن بقعة بالأرض أسفل منه، تفتح باباً صدئًا نحو القبو.

    تهب رائحة عفونة قوية، ويتعالى الأنين دفعة واحدة.. تتدافع العصارات الهاضمة أعلى مريء (مها)، تتراجع وتركض من فورها نحو الباب، فيما تعالجها الخبيرة بضربة على مؤخرة رأسها.
    ~

    تفيق على صفعة على وجهها.. تنظر بأعين مشوّشة إلى قيودها وإلى الخبيرة بمواجهتها، ومن خلفها وإلى الجانب قليلاً، هيئ لها أنها تبصر طيف فتاة نحيلة ذات قُصّة على العينين، خُيّل لها أنها تحتمي بظهر الخبيرة، كما تصورت أن شبح ابتسامة يتلاعب فوق شفاهها، بقدر ما استطاعت أن ترى..

    ومن جديد لاح لها سؤال يلوح كلما شاهدت هذه الفتاة: هل هذه الفتاة حيّة، أم أن ما ترقبه هو شبحها؟ ولكن ثمة أشياء أهم، فبالإضافة إلى الأصوات المعهودة، كان هناك صليل مقص يُتَسلَّى بفتحه وإغلاقه مرات، بين يدي الخبيرة رائقة البال الصبورة، قبل أن تزفر بالنهاية وتقول:
    - والآن، ألازلتِ ترغبين بإعادة الرموش إليها؟

    تتحشرج الكلمات في حلق (مها):
    - وهل يجب أن تقصّينها؟
    - أوليس القص مقابل اللصق!؟

    تبتلع ريقها بسرعة، وتقول بجزع:
    - إذًا، لا أريد، لا أريد، اخرجيني من هنا ولن أعود ثانيةً أبدًا

    تبتسم الخبيرة في طولة بال:
    - ليس أنتِ من تقررين.
    - إذًا من؟ من؟
    - صاحبة الشأن.

    ثم تدور بجذعها إلى الفتاة النحيلة:
    - هل ترغبين يا حبيبتي في استعادة رموشك؟

    تضع إصبعًا في فمها، تهز جذعها يمينًا ويسارًا حول محورها، ثم تقول بدلال طفولي:
    - لا!

    تهتف (مها):
    - حمدًا لله، حمدًا لله، فاخرجيني من هنا ولا تؤذيني ولن أخبر أي أحد!

    تواجهها الخبيرة بنظرة استغراب:
    - وهل تظنين أني هنا لإيذاءك؟
    أنتِ لا تفهميني.. إنني كل ما أعشق بالحياة هو الجمال، الجمال الطبيعي تحديدًا، وإنني لشديدة الضعف أمام القطع الأصلية: رموشًا سوداء كثيفة يمكنها أن تأسرني بنظرتها، شعرًا كستنائيًا حريريًا يمكنه أن يطير لُبّي، وطابع حسن بني مستدير يمكنه يكون قطعة أصلية.
    - دعكِ من أن ما تقولينه جنونًا، ولكن قطعك الأصلية لا تعمل جيدًا، رموشك أفقدتني صوابي وأحالتني إلى شبح فائق القدرات، وأحالت أمنياتي إلى لعنات
    - هذا غير عادل!

    قالتها بعصبية:
    - نعم، هذا غير عادل، ما ذنبي أنا إن كان لبعض القطع إرادة خاصة بها، أو قدرات خارقة، أو طاقات كامنة تتفجر لدى ملامستها جسد عائل جديد.. لا تنكري أننا البشر معجزة القدرة الإلهية، ولا تنسي أن الكثير من القطع تكون لـ.. موتى!

    تقدّر (مها) أن الوقت قد حان لإجابة سؤالها، تنظر في شجن إلى صاحبة الرموش وتقول:
    - وهل هي منهم؟

    تقوم الخبيرة، تتجه إلى ركن القبو، تنفض ذرات تراب عن صناديق مكوّمة، تزيح بعضها وتبحث في البعض قائلة:
    - ستعرفين حالاً

    تختلس (مها) النظر إلى قناني وبرطمانات تزين الأرفف على طول الجدران، ثم تعود فترقبها متسائلة:
    - متى؟

    تستخرج الخبيرة بضع آلات، ثم تستدير لمواجهة (مها):
    - حين تصيرين مثلها

    تتسع عين (مها) ذعرًا، تصيح فورًا:
    - قالت أنها لا تريد رموشها، قالت أنها لا تريد رموشها!

    تقترب الخبيرة فتجلس عند قدمي (مها)، التي تهتز في موضعها اهتزازات للخلف، فيما تقول الخبيرة:
    - صحيح، ولكن لكل شيء مقابل..

    ثم تلتمع عينها إذ تنظر إلى أنامل (مها) التي تتقافز في قيدها إلى مسند المقعد، تتناول كماشة وتقول:
    - ومن حسن الحظ أنكِ تملكين مجموعة أصلية من الأظافر!

    وبينما تتناثر الدماء، وترتص الأظافر في الإناء، تحتبس أفكار (مها) في لحظتها هذه في فكرة واحدة يتعلق بها مصيرها كله، لم ترغب في حياتها أو سترغب في معرفة أمر كما رغبت في تلك اللحظة في إجابة سؤالها المُعلّق: هل كانت صاحبة الرموش المقصوصة حيّة أم شبح!

     
    آخر تعديل بواسطة المشرف: ‏21 فبراير 2015
  2. جاري تحميل الصفحة...


  3. رد: قصص رعب , قصص مخيفه جدا 2024 , Horror stories

    do.jpg

    قصص رعب نااار
     
  4. repunzel

    repunzel موقوف

    رد: قصص رعب , قصص مخيفه جدا 2024 , Horror stories

    شكراااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
     
  1. قصص رعب مخيفه جدا

    ,
  2. قصة حزينة جدآ2023 مكتوبه

    ,
  3. قصص حب حقيقية 2023 www.photolovegirl.com