1. حبايب

    حبايب New Member


    أَذكَارُ الكَرْبِ
    لقد ثبت في السُّنَّة أحاديثُ عديدة عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في علاج ما قد يصيب الإنسانَ من الكَرْب، وهوالشدَّة والألَم الذي قد يجده الإنسانُ في نفسه بسبب ما يَحلُّ به من مصائب ونوازل،تداهم الإنسان فتغمه وتحزنه وتؤرقه.
    ومن الأحاديث الواردة في علاج ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما:

    "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الكَرْبِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَ بُّ العَرْشِ الكَرِيمِ"


    وروى أبو داود و ابن ماجه وغيرُهما عن أسماء بنت عُمَيس رضي الله عنها قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألاَ أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهُنَّ عِنْدَ الكَرْبِ ـ أَوْ فِي الكَرْبِ ـ: اللهُ اللهُ رَبِّي، لاَ أُشْرِكُ بهِ شَيْئاً"

    وروى أبو داود في سننه عن أبي بكرة رضي الله عنه، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "دَعَوَاتُ المَكْرُوبِ: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّأَنْتَ"


    وروى الترمذي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لاَ إله إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ اللهُ لَهُ" .


    وجميعُ هذه الكلمات الواردة في هذهالأحاديث كلماتُ إيمان وتوحيد وإخلاص لله عز وجل، وبُعد عن الشِّرك كلِّه كبيرهوصغيره، وفي هذا أبيَنُ دلالة على أنَّ أعظمَ علاج للكرب هو تجديدُ الإيمان وترديدُكلمة التوحيد لا إله إلاَّ الله، فإنَّه ما زالَت عن العبد شدَّةٌ، ولا ارتفع عنههَمٌّ وكَرْبٌ بمثل توحيد الله وإخلاص الدِّين له، وتحقيقِ العبادة التي خُلقالعبدُ لأجلها وأُوجِدَ لتحقيقها؛ فإنَّ القلبَ عندما يُعمَرُ بالتوحيد والإخلاص،ويُشغَل بهذا الأمر العظيم الذي هو أعظم الأمور وأجلُّها على الإطلاق، تذهبُ عنهالكُرُبات، وتزولُ عنه الشدائد والغمومُ، ويَسعَدُ غايةَ السعادة.قال ابن القيم رحمه الله: "التوحيدُ مفزَعُ أعدائه وأوليائه، فأمَّاأعداؤه فيُنجيهم من كُرَب الدنيا وشدائدها {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُااللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْيُشْرِكُون"، وأمَّا أولياؤه فيُنجيهم من كربات الدنيا والآخرة وشدائدها، ولذلك فزعإليه يونس عليه السلام فنجّاه اللهُ من تلك الظلمات، وفزع إليه أتباعُ الرُّسلفنجوا به ممَّا عُذِّب به المشركون في الدنيا وما أُعدَّ لهم في الآخرة، ولمَّا فزعإليه فرعون عند مُعاينة الهلاك وإدراك الغرق لَم ينفعه؛ لأنَّ الإيمانَ عندالمعاينة لا يُقبل، هذه سُنَّة الله في عباده، فما دُفعت شدائدُ الدنيا بمثلالتوحيد، ولذلك كان دعاءُ الكرب بالتوحيد، ودعوةُ ذي النون التيما
    دعا بها مكروب إلاَّفَرَّجَ الله كُرَبَه بالتوحيد، فلا يُلقي في الكرب العظام إلاَّ الشِّركُ، ولاينجي منها إلاَّ التوحيد، فهو مَفزَعُ الخليقة ومَلجَؤُها وحِصنُها وغايتُها،وبالله التوفيق"



    وقد مر معنا أحاديثُ دالَّة على هذاالمعنى


    أوَّلُها: حديث ابن عباسرضي الله عنهما وكلُّه توحيدٌ وتمجيدٌ لله عز وجل، وترديدٌ لكلمة التوحيد لا إلهإلاَّ الله، مقرونة بما يدلُّ على عظمة الله وجلاله وكماله وربوبيَّته للسَّمواتوالأرض وللعرش العظيم، فقد انتظمت هؤلاء الكلمات أنواعَ التوحيد الثلاثة: توحيدالربويبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، فإذا قالها المسلممُتَأَمِّلاً لمعانيها متفَكِّراً في دلالاتها سكن قلبُه، واطمأنت نفسُه، وزال عنهكَرْبُه وشدَّتُه،وهُديَ إلى صراط مستقيم.

    وثانيها: حديث أسماء بنت عُميس رضي الله عنها، حيث أرشدها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أنتَفزَع في الكَرْب أو عند الكرب إلى التوحيد، الذي ما دُفعت عن العبد الشدائد ولازالت عنه الكُرُبات بمثله، وقد شدَّ صلوات الله وسلامه عليه انتباهها لهذا الأمروشَوَقَّها إلى معرفته، وهيَّأ نفسَها لتَلَقِّيه؛ بأن طَرَح عليها استفهاماًمُشَوِّقاً "ألاَ أعلِّمُكِ كلمات تقولينَهنَّ عند الكَرب أو في الكرب" ، وما منريب أنَّ نفسَها قد تاقت لمعرفة هؤلاء الكلمات، فأرشدها صلى الله عليه وسلم أنتقول: "اللهُ اللهُ ربِّي لا أُشرك به شيئاً" ، وهي كلمةُ إخلاص وتوحيد.
    وقوله: "اللهُ اللهُ" هو بالرَّفع فيهما، على أنَّ الأوَّلَ مبتدأ والثاني تأكيد لفظي له،إشارةً إلى عِظَم المقام وأهمية الأمر، وخبر المبتدأ هو قوله: "ربِّي

    "، والمعنى أنَّ إلَهي الذي أعبدُه وأخصُّه بجميع أنواع العبادة منخوف ورجاء وذلٍّ وخضوع وخشوع وانكسار وغيرذلك ، هو ربِّي الذي ربَّانِي بنعمته،وأوجدنِي من العدَم، وتفضَّل علي بصنوف العطاياوالمنَن.



    )وقوله: "لا أشركُ به شيئاً" أيلا أتَّخذ معه شريكاً في العبادة كائناً مَن كان، فقوله: "شيئاً" نكرَةٌ في سياقالنفي تفيدُ العموم.

    وعلى كلٍّ فهذه الكلمة العظيمة اشتملت على تحقيق التوحيدبرُكنَيْه النفي والإثبات؛ نفيُ العبودية عن كلِّ مَن سوى الله، وإثباتها له وحده،وفي الحديث دليلٌ على أنَّ التوحيدَ هو المفزَع في الكرب، وأعظمُ أسباب زوال الهموموذهاب الغُمُوم.
    وثالثها: حديث أبي بَكرة عن النَّبِيّصلى الله عليه وسلم:"دعواتُ المكروب اللَّهمَّرحمتَك أرجو، فلا تَكلْنِي إلى نفسي طَرْفَة عَين، وأصلح لي شأني كلَّه لا إلهإلاَّ أنت" وهو كلُّه توحيد لله، والتجاءٌ إليه واعتصامٌبه.

    )وقوله: "اللَّهمَّ رحمتَك أرجو" في تأخير الفعل دَلالةٌ علىالاختصاص، أي: نخصُّك برجاء الرحمة منك، فلا نرجوها من أحد سواك.
    وقوله: "فلاتَكلْنِي إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كلَّه" فيه شدَّةُ افتقار العبد إلىالله، وأنَّه لا غنى له عن ربِّه ومولاه طرفة عين في كلِّ شأن من شؤونه، ولهذا قال: "وأصلح لي شأني كلَّه" أي: في كلِّ جزئية من جزئياته وكلِّ جانب من جوانبه، ثم ختمهذ الدعاءَ المبارك بكلمة التوحيد لا إله إلاَّ الله.
    ورابعها: حديث سَعْد بن أبي وقاص، وفيه ذكرُدعوة ذي النُّون عليه السلام وهو في بطن الحوت: "لا إله إلاَّ أنتسبحانك إنِّي كنت من الظالمين" وعن هذه الدعوة يقول ابن القيم رحمه الله: "فإنَّفيها من كمال التوحيد والتَّنْزيه للرَّبِّ تعالى واعتراف العبد بظلمه وذنبه ما هومن أبلغ أدوية الكرب والهمِّ والغمِّ، وأبلغِ الوسائل إلى الله سبحانه في قضاءالحوائج، فإنَّ التوحيدَ والتَّنْزيهَيتضمَّنان إثباتَ كلِّ كمال لله، وسَلبَ كلِّ نقصٍ وعَيب وتمثيل عنه، والاعترافَبالظلم يتضمَّن إيمانَ العبد بالشَّرع والثواب والعقاب، ويوجب انكسارَه ورجوعه إلىالله، واستقالته عثرته، والاعتراف بعبوديته وافتقاره إلى ربِّه، فها هنا أربعةُأمور قد وقع التوسُّل بها: التوحيد والتَّنْزيه والعبوديةُوالاعتراف
     
    آخر تعديل بواسطة المشرف: ‏28 أكتوبر 2013
  2. جاري تحميل الصفحة...